سلسلة من التجارب في الواقع الافتراضي تتناول موضوعا غير مريح وهو ما
إذا كانت الأخلاق البشرية يجب أن تطبق على السيارات ذاتية القيادة. ما بدأ كدراسة للقرارات الأخلاقية عند السيارات ذاتية القيادة تحول
إلى دراسة لعلم النفس البشري. كيف نقرر – عندما يكون الاصطدام أمر لا مفر منه- من
هو الشخص أو الشيء الذي سنصطدم به؟ لا أحد يريد أن يواجه قرار الحياة أوالموت
ولكنه أمر شائع في سيناريوهات القيادة. ومع اختراع السيارات ذاتية القيادة فإن هذه
القضية غير المريحة قد ظهرت للأضواء.
فلنأخذ على سبيل المثال معضلة ترولي الفلسفية الشائعة حيث يتم إعطاء
شخص ما خيار تبديل مسار القطار لتتغير وجهته فإما أن يصطدم بشخص واحد أو بخمسة
أشخاص. المسار الذي يختاره هذا الشخص يعطينا فكرة حول أخلاقياته، وكيف يقدر الناس
الحياة؟
إن السيارة ذاتية القيادة سوف تتخذ أيضا قرارات صعبة مثل هذه، ولكن يجب برمجة السيارات لاتخاذ هذه القرارات الصعبة بحسب سياق كل حالة محتملة. فعندما تقترب السيارة من عائقين ويكون الاصطدام بأحدهما أمر لا مفر منه فكيف يمكننا برمجة السيارة لتختار أحدهما؟ يصبح الأمر أكثر صعوبة في برمجة السيارات لاتخاذ القرارات عندما يتوقع أنها ستقود في طريق مشترك مع سائقين بشريين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم.
يقول الباحثون في معهد العلوم المعرفية بجامعة أوسنابروكفي ألمانيا،
إن السيارات ذاتية القيادة يجب أن تكون مبرمجة للتعامل مع القرارات الأخلاقية
بطريقة شبه إنسانية إذا كانت ستشارك الطريق مع البشر. وقد قاموا بإعداد سلسلة من
تجارب الواقع الافتراضي من أجل صنع نموذج للقرار البشري في هذا السياق، وقاموا
بجمع البيانات الرياضية التي يمكن تطبيقها بعد ذلك على خوارزميات السيارات ذاتية
القيادة.
في هذه الدراسة تم اختيار 105 شخص بالغ، 76 من الذكور و29 من الإناث
والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما بمتوسط عمر 31 سنة. قام المشاركون بقيادة
سيارة افتراضية على طريق ذي مسارين، عند نقطة معينة سيعيق الضباب عليهم الرؤية
وعندما ينجلي ستظهر عقبتان كل واحدة في مسار مختلف. سيتعين على السائق اختيار
الكائن الذي سيصطدم به ويشمل ذلك مجموعة من البشر والحيوانات والجمادات. ويتفاوت
الوقت المسموح به لاتخاذ هذا القرار بين المشتركين من ثانية إلى أربع ثوان لتحديد
ما سيتم الاصطدام به.
شملت بعض السيناريوهات مسارا فارغا كخيار وهو أمر مهم لتحديد عدد
الأخطاء التي يقوم بها السائق عادة. فمن المفترض أن المشاركين سيتوجهون عمدا
للمسار الفارغ ما دام هذا الخيار متاحا إلا إذا ارتكبوا خطأ ما، معدل هذا الخطأ
سيكون انعكاس لمهارة السائق ويمكن تطبيقه على جميع البيانات مما يجعلها أكثر دقة.
بعض نتائج الدراسة مثيرة للقلق، ففي 80٪ من تجارب المشتركين كان خيار
الاصطدام بالبالغين الذكور أكثر من البالغين الإناث. وأظهرت البيانات أنه إلى حد
ما فإن الأولوية في النجاة تكون للأطفال بدلا من البالغين، والحيوانات الأليفة قد
تكون حياتها ذات أولوية على الحيوانات الأخرى. هذه النتائج تعطي نظرة مبسطة جدا
لعملية صناعة القرار، وعلى كل حال فإن الدراسة لم تأخذ في الاعتبار كيف يتفاعل
الأشخاص في سيناريو يتفاوت فيه مقدار الضرر عند الاصطدام بالعقبات.
معلومات أخرى تقول بأن القرارات التي اتخذها المشاركين أصبحت أكثر
عشوائية عند تضاؤل الوقت اللازم لاتخاذ القرار، ويدعي مؤلفو الدراسة بأن هذا الأمر
معدة منطقيا وفقا لبحث سابق. فعلى سبيل المثال كان خيار التضحية بالذكور البالغين
بدلا من الإناث أقل بكثير في الحالات التي كان السائق يمتلك فيها ثانية واحدة
لاتخاذ القرار بدلا من أربع ثوان.
بكل تأكيد فإن هذه الدراسة بحاجة إلى مزيد من التطوير ولكن يقترح
الباحثون إمكانية استخدام هذه البيانات لبناء نموذج بسيط لبرمجة السيارات ذاتية
القيادة. فبدلا من محاولة محاكاة التعقيد الهائل للشبكات العصبية في الدماغ البشري
باستخدام خوارزميات الكمبيوتر، يمكن افتراض نموذج أخلاقي بسيط لـ”قيمة الحياة”. إن
جمع البيانات حول ما يقوم به البشر فعليا في سيناريوهات الاصطدام يظهر لنا أيضا
الواقع الغير الأخلاقي لدنيا في بعض الأحيان، مما يوفر فرصا لتطور البشرية والسيارات
الآلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق